اخبار الأدب والثقافة

الأربعاء، 13 يوليو 2011

الكويت تمنع دخول عشرات الإصدارات لمؤلفين مصريين دون إبداء أسباب

الكويت تمنع دخول عشرات الإصدارات لمؤلفين مصريين دون إبداء أسباب

الشروق ـ تحقيق ـ هشام أصلان -

فى نهاية الثمانينيات من القرن الماضى منعت إدارة معرض تونس للكتاب كتابين لاثنين من المثقفين المصريين الأقباط بحجة أن بهما «فكرا إسلاميا ظلاميا».. الكاتبان هما الراحلان الدكتور غالى شكرى والكاتب الصحفى موسى صبرى، أما الكتابان فكانا «الأقباط فى عالم متغير» و«50 عاما فى قطار الصحافة».

هذه الحالة تكشف إلى أى حد يتم التعامل بعشوائية مع الكتاب فى المعارض العربية، حيث يتم أخذ الكتب بالشبهة كما حدث فى المعرض ذاته مع كتاب «حصاد السنين» للمفكر الكبير الراحل الدكتور زكى نجيب محمود لأن موظفا بالمعرض قرأ عنوان الكتاب على أنه «حصار السنين».

ومن الثمانينيات إلى الأسبوع الماضى تبدلت أشياء كثيرة فى عالم النشر والرقابة، غير أن تعامل المعارض العربية مع الكتاب بقى محكوما بعقلية الحظر والمصادرة، والمفاجئ هذه المرة أن معرض الكويت للكتاب توسع فى قوائم الممنوعات التى حفلت بعشرات العناوين لمفكرين وأدباء كثيرين من مصر والدول العربية.

ووصل الأمر إلى قيام السلطات الثقافية فى الكويت إلى تشميع فرع مكتبات فيرجين بالشمع الأحمر لأنه عرض رواية علاء الأسوانى «شيكاغو».

ورغم تباين آراء الكتاب المصريين الذين تقرر منع كتبهم من المشاركة فى معرض الكويت الدولى للكتاب، فإنهم اتفقوا على أن الخاسر الأكبر هو القارئ الكويتى الذى سيُحرم من قراءة الأعمال الممنوعة، إضافة إلى أن هذا يلعب دورا فى دعم فكرة الانغلاق الفكرى والثقافى التى يعانيها الكتاب العربى طوال عمره، خصوصا أنه لا يوجد بها ما يستدعى المنع، أو المصادرة..

الكاتب الكبير خيرى شلبى جاء صوته حزينا وآسفا على «الحال الذى آلت إليه دولة الكويت، التى منحناها شرف الانضمام إلى الدول الثقافية، لأنه ما كان يصح من دولة تتخذ مظهرا ثقافيا جادا، أن تصادر الكتب».

يتفهم خيرى شلبى فكرة أن يكون هناك تحفظ على كتب معينة من تلك التى تتعرض، مثلا، لثوابت الدين أو الأخلاق أو ما إلى ذلك، أما أن تتم مصادرة رواية مثل زهرة الخشخاش أو إسطاسية، فهو أمر غير مُبرر على الإطلاق: «وجعلنى فى بلبلة، فما الذى وجدوه فى هاتين الروايتين؟، فالأولى تحكى قصة كفاح شاب فى ظل ظروف معيشية صعبة، والثانية كتبتها فى محاولة لنفى فكرة وجود أى عداء بين المسلمين والمسيحيين فى مصر، ما الذى يستحق المصادرة فى هذا؟، أرجو أن يوضحوا لنا هذا اللبس..»

وهل المفترض أن يكون هناك رد فعل ما، من جانب الحكومة المصرية أو الناشرين الممنوعة كتبهم؟.

يجيب شلبى: لا أستطيع مطالبة مصر بأن تعامل هذه الدول بالمثل لأن هذا موقف متخلف، ولكن علينا أن نتحاور، لا بد أن يكون هناك فرقاء من المتحاورين لمناقشة هذه القضايا، لأنه سوف يكون من الخطأ أن نقيم حول أنفسنا سدودا ونقطع العلاقات، فمأساتنا طوال الوقت هى أن الكتاب العربى مسجون داخل حدوده، وطوال عمرنا نعانى عدم وصول الكتاب العربى خارج حدوده العربية، ولكن المحزن أن تجد بعض الدول العربية تصر على هذه العزلة والتخلف.

واختتم الأديب الكبير كلامه بأن المعرض الذى يصادر كل هذا القدر من الكتب لايستحق أن يكون معرضا للكتاب، وأن هذه الدولة غير جديرة بإقامة المعرض الذى لابد لنا من مقاطعته.
وبينما جاء رد خيرى شلبى خاليا من الدبلوماسية ومنفعلا، كان الأديب إبراهيم عبدالمجيد أهدأ نوعا ما، خصوصا وهذه ليست المرة الأولى كما يقول: «التى يتم فيها منع كتبى بإحدى الدول العربية».

ولكن الأمر اللافت، الذى تحدث عنه صاحب «عتبات البهجة»، هو اختلاف طرق المنع والمصادرة فى الدور العربية، فتعرف مثلا أن السعودية تقيم رقابة طوال العام على الكتب التى تدخلها، ولكنها تتغاضى عن هذه الرقابة أيام معرضها الدولى للكتاب، وكذلك الأمر فى سوريا، إلا أن الكويت تصر على الرقابة طوال العام وأيضا فى معرض الكتاب، وهو ما يعكس قوة سيطرة التيار السلفى على الأجواء العامة، وتحقيقه مكاسب يومية.

وعلى الرغم من هدوء نبرة عبدالمجيد فى طرح وجهة نظره فإنك تحزن عندما تسمعه يتحدث ببساطة: «أصبحت لا أنزعج من كل ما يحدث، لأننى لا أرى أى أمل فى الوطن العربى أو نظم الحكم فيه»، لدرجة أنه «لو حاولوا منعنا من الكتابة نفسها، هنبطل نكتب لأننا قرفنا».

المفكر الكبير د. جلال أمين، أحد الكتاب الذين منعت بعض كتبهم، يعرف الأسباب التى منعت كتبه من الكويت تحديدا، «فبالنسبة لكتاب ماذا علمتنى الحياة، ستجدهم منزعجين من بعض الانتقادات الموجهة إلى المجتمع الكويتى فى أحد فصول الكتاب، وأتحدث فيه عن فترة إقامتى هناك، لأنهم حساسون تجاه هذه المسألة».

وهل هذا يصلح مبررا كافيا للمنع؟

يجيب: بالطبع لا، فليس هناك ما يبرر منع أى كتاب حتى لو كان سخيفا ومبتذلا، وعلى الرغم من أن هناك بعض الكتب التى انتقدتها، فإننى لم أنادِ يوما ما بمنعها، فالانتقاد مسموح به، لكن المنع يعد شيئا سخيفا وغير فعال، فأنت عندما تمنع أو تصادر كتابا ما، تلفت النظر إليه أكثر، ونحن نعيش أياما سهل الحصول فيها على أى مطبوعة من أى مكان. ثانيا قرارات المنع ضد حرية تبادل الرأى، وفيها وصاية سخيفة على الشعب.

ويرى د. جلال أمين أن منع بعض الكتب من المشاركة فى معرض الكتاب بالدول العربية عموما، أحيانا يأتى بسبب بيروقراطية الموظفين، ومن أطرف الحكايات التى تدل على هذا أن الكاتب السعودى غازى القصيبى كان وزيرا للعمل ومن المقربين للملك، وكانوا يمنعون كتبه، ولما مرض خجلوا وسمحوا بتداول كتبه قبل وفاته بشهر واحد.

الكاتب د. علاء الأسوانى كتبه ممنوعة من دخول الكويت طوال العام، لدرجة أنها حينما دخلت الكويت فى المرة الأولى أغلقت المكتبة تماما إلى أن تخلصوا من الكتب، وحتى عندما عرض فيلم «عمارة يعقوبيان» فى الكويت، قُطعت منه نصف ساعة كاملة، واندهش الأسوانى من أن المشاهد التى قطعت هى مشاهد التعذيب.

ومن المحزن بالنسبة للأسوانى أن تكون هناك بعض العقليات التى لا تزال فى القرون الوسطى، لأن من اتخذ هذا القرار يعامل الشعب الكويتى باعتباره شعبا من القاصرين العاجزين عن التمييز.

ولكنها ليست المرة الأولى التى يتم فيها منع كتب مصرية من المشاركة فى معارض الكتاب العربية..

يفسر صاحب «شيكاغو» هذه المسألة بأنها لا تستهدف مصر بعينها، فنفس الدول تمنع أعمالا من بلاد أخرى، ولكن عادة يكون الكم الأكبر من مصر، وهذا طبيعى لأن معظم الإنتاج الفكرى العربى قادم من مصر، ومعظم الأقلام التى تضيف إلى الفكر العربى مصرية.

ويرى الأسوانى أن هذا الغشاء الديمقراطى فى دولة الكويت هو غشاء غير حقيقى، لأنك لا تستطيع أن تتحمل حتى الأفكار، كما أن على مثقفى الكويت وقرائها أن يعترضوا بشدة، لأنهم هم الخاسرون، وعليهم أن يتحملوا مسئوليتهم، تماما مثلما نفعل نحن مثقفى مصر عندما يتم الاعتراض على أى كتاب عربى يمنع فى مصر.

ويعلق أحمد الزيادى مدير النشر بدار الشروق على غربة الكتاب أمام أبواب المعارض العربية بأن هناك أكثر من عشرين بلدا عربيا لكل منها رقابته الخاصة ونظامه المختلف فى التعامل مع الكتب المشاركة فى المعارض، الأمر الذى يحمل معه مفارقات عديدة، فمثلا يمكنك أن تجد كتابا ممنوعا لإحدى دور النشر فى هذا المعرض أو ذاك، وعلى الرغم من ذلك تجد الكتاب نفسه فى المعرض ذاته مسموحا به لكن عبر دار نشر أخرى.

ويضيف أن معرض القاهرة أرسى عرفا معيبا وانتقل لمعارض أخرى بأن أى دار يمكنها المشاركة بإصدارات الآخرين، لكن المعارض ذات الاحترافية والاحترام مثل الشارقة وأبو ظبى وقطر والكويت ومسقط والسعودية مؤخرا تلزم أن يشترك الناشر بكتبه فقط، أو بتوكيل عن دار أخرى غير مشتركة.

ويرتب الزيادى قائمة الدول الأكثر منعا كالتالى: تونس ثم ليبيا ثم سوريا فالكويت والسعودية فيما تبقى الإمارات هى الأكثر تحررا وسماحة فى التعامل مع الكتب.

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More