المطالبة بثورة ثقافية مع تفجر ملفات فساد مؤسسات الثقافة الرسمية
بوابة الأهرام ـ 18/7/2011
انتقد عدد من الكتاب والمثقفين والأدباء واقع المؤسسات الثقافية الرسمية في مصر على اعتبار أنها ظلت قبل ثورة 25 يناير جزءًا من أدوات النظام السابق لتغييب وعي المواطنين. وطرحوا عدة اقتراحات من أجل تطوير هذه المؤسسات وجعلها جزءًا من إحداث ثورة ثقافية في البلاد.
كما طالبوا بتطوير التعليم والإعلام لأنهما جزء لا يتجزأ من تشكيل وعي المجتمع.
جاء ذلك خلال فعاليات اليوم الثاني من مؤتمر اتحاد الكتاب (الثقافة المصرية .. وتحديات التغيير) والذي اختتم فعالياته مساء أمس وشهد خمس جلسات تناولت عدة موضوعات، إذ تناولت الجلسة الأولى مبررات الثورة الثقافية وتحدث فيها الكتاب فتحي عبد السميع ومحمود الأزهري وعبد الله المهدي ومهدي بندق ورأسها عبد التواب يوسف. أما الجلسة الثانية، فكان موضوعها الثقافة القومية والتربية وتحدث فيها الدكتور محمد السكران ورأسها الدكتور محمد عبدالمطلب.
وطرحت الجلسة الثالثة رؤية نقدية لواقع عمل المؤسسات الثقافية الرسمية، وشارك فيها الكاتبة فتحية العسال والكتاب محمد عبد الله حسين والدكتور عزازي علي عزازي ورأس الجلسة محمد قطب، أما الجلسة الرابعة فتناولت سبل إحداث ثورة ثقافية في المجتمع تتواكب مع ثورة 25 يناير تحديث فيها الدكتور مجدي يوسف ورئيس اتحاد الكتاب السوريين الدكتور حسين جمعة ورأسها الدكتور محمد نجيب التلاوي، وطرحت الجلسة الخامسة إشكالية الإعلام والثقافة، وشارك فيها الشاعر محمد ابراهيم ظابو سنة والكتاب اسامة عفيفي والسيد نجم وانتصار عبدالمنعم ورأسها ماجد يوسف .
وقال الدكتور محمد السكران إنه بعد ثورة 25 يناير أصبح التحدي الأكبر هو كيفية تطوير التعليم والمناخ المدرسي بمفهومه الواسع والشامل، مشددا على ضرورة وضوح فلسلفة التعليم والتخلص من آفة الحديث عن ربط التعليم بسوق العمل.
ودعا إلى ضرورة الاهتمام بمؤسسات إعداد المعلم التي قال إنه "بدأ يشوبها نوع من التلوث الفكري"، مضيفا: "يجب أن يتم إعداد معلم المعلم، وهو الاستاذ الجامعي، ويجب أن نهتم بتطوير المعلم بعد 25 يناير".
وأكد ضرورة تعميق مفهوم المواطنة ليتحول إلى سلوك داخل المدرسة وترسيخ قيم التنوع، مشيرا إلى أنه في فترة من الفترات كانت المنح المقدمة بهدف تطوير التعليم تشترط تغيير المناهج التعليمية.
وأشار إلى أن هناك مؤسسات تعمل على تزييف وعي الجماهير ومن النخب من يزيف وعي الجماهير، ويجب ألا ينظر المثقف إلى نفسه على أنه وصي على الجماهير.
من جانبه، انتقد الكاتب محمد قطب واقع المؤسسات الثقافية التي قال إنها مليئة بالخلل الثقافي وأصبحت أشبه بجزر منعزلة عزلة مقصودة.
وأضاف: "المؤسسات الثقافية تابعة للمؤسسات السياسية ولم تقم بأداء الدور التنويري المنوط بها، (...) الخلل الثقافي منتشر في المؤسسات الثقافية الرسمية وهو سبب من أسباب التدهور الثقافي الذي نعيشه".
وقال: "واقع المؤسسات الثقافية الرسمية مرير وتسطيح العقل المصري كان مقصودا"، مشيرا إلى أنه "من ضمن الخلل الثقافي المتحولون ثقافيا وهو داء في الحياة الثقافية"، مضيفا: "حقول الثقافة والتعليم والإعلام تحتاج إلى حرث جديد" .
واقترح أن تكون كل مؤسسة من مؤسسات الدولة الثقافية مستقلة بذاتها ولها خطتها وميزانيتها الخاصة دون تدخل على أن تتولى وزارة الثقافة فقط الإشراف العام تجنبا لتدخلات المسئولين.
من جانبه، قال الناقد المسرحي محمد عبد الله حسين إن النقد مهم جدا من أجل استشراف المستقبل المأمول في عمل المؤسسات الثقافية الرسمية، مشيرا إلى أن ثورة 25 يناير لم تقض على النظام القديم بالضربة القاضية، إذ لا نستطيع أن ننهي كل شيء بضربة واحدة.
وأضاف: "نحن في مرحلة بناء دولة جديدة قادرة على أن تخرج من الناس أفضل ما فيهم بعد أن أخرج النظام السابق أسوأ ما فيهم" .
واعتبر أن "هيئة قصور الثقافة مثال للفساد الذي ينخر كالسوس في المؤسسات الثقافية الرسمية". وقال: "الهيئة تحقق مصالح شللية وتساهم في تغييب الوعي الجمعي باستثناء فترات بسيطة قدمت خلالها منتجا مقبولا سرعان قضي عليه من قبل المنتفعين".
وأضاف: "مشاريع النشر في الهيئة استخدمت لإرضاء جماعة من المنتفعين، والنشر الاقليمي انتهى تدريجيا لمصلحة النشر في المركز الذي كان يركز بالأساس على إرضاء مجموعة من المنتفعين حتى أن سلطة المركز أصبحت قاتلة للأطراف".
وقال إن "مؤتمرات الثقافة الجماهيرية لا فائدة منها إلا الانتفاع والسبوبة"، معتبرا أن نشاط ادارة المسرح في الهيئة بات "ملتقى للمنتفعين"، إذ يتم انتاج نصوص ردئية لإرضاء موظفي الهيئة بالأساس تفرض فرضا على الفرق المسرحية.
وتعجب من أن يكون كاتب موظف في الهيئة هو كاتب النص ومخرجه وممثل فيه وأيضا عضو في لجنة تحكيم . وقال: "مسرح الثقافة الجماهيرية أصبح أداة للتغيب، والنظام السابق سعى إلى وأد تجربة المسرح الجماهيري لأنه يعلم دوره التنويري".
وأضاف:"نحن في حالة من التردي يصعب علاجها بالمسكنات لذا اقترح إعادة النظر في جميع السلاسل التي تصدر عن الهيئة مع استبعاد القيادات الفاسدة منها وخضوع الأعمال إلى معايير فنية فقط لا يمكن تجاوزها مهما كانت الأسباب والدوافع وإعادة النشر الاقليمي بميزانيات معقولة دون مجاملات وتربيطات وإعادة النظر في أنشطة المسرح والفنون التتشكيلية بشكل جذري مع وضع معايير جديدة تماما لها، وإعادة النظر في المجلات والصحف التي تصدر عنها".
وطالب بضرورة عدم تنفيذ أي نص لأي موظف في الهيئة من أجل تحقيق مبدأ التكافؤ وعدم الشبهات واعادة النظر في هيكلة الفرق المسرحية وإعادة مشروع المسرج المتجول مرة أخرى.
من جانبه، قال الكاتب عزازي علي عزازي إن المثقف يجب أن يرى آثار انتاجه وإبداعه على متلقيه، فغياب هذا الأمر بشكل دائم هو سبب مأساة الثقافة في مصر، مشيرا إلى أن ثورة 25 يناير أسدلت الستار نهائيا وإلى الأبد على المثقف الطليعي مدعي المعرفة، والذي اصطفى نفسه من نفسه وكيلا وحيدا ومعتمدا للجماهير.
وأوضح أن الجماهير في ثورة 25 يناير زلزلت مفاهيم كثيرة في عقل الجماعة الثقافية ورفضت فكرة الوكالة والنيابة عن الشعب، مضيفا: "ينبغي للمثقف أن يتوقف بعد أن اكتشف أن الناس تعرف أكثر منه وقدرتها على الفعل والتغيير باتت أكبر منه".
وأكد أنه "لن تتحقق الثورة الثقافية إلا بوجود مؤسسات ثقافية تحقق للشعب غاياته في الحرية والكرامة وتحقق للمثقف أن ينطلق بإبداعه إلى متلقيه".
وتحدثت الكاتبة فتحية العسال، فأكدت أن المثقف هى أخطر سلاح على السلطة، معتبرة أن المؤسسات الثقافة هى لسان حال السلطة وتعمل لحسابها "لكن كان هناك كثيرون عملوا في المؤسسات الثقافية وحافظوا على استقلاليتها".
وربطت العسال بين السياسة وواقع الثقافة. وقالت: "في الستينات ازدهرت مؤسسة المسرح ومع سياسة الانفتاح بدأت المؤسسات الثقافية كلها تصب في إطار هذه السياسة وبدأت تتحول إلى مؤسسات ربحية هدفها تحقيق الربح والمكسب وتقدم عروض هابطة وتافهة".
وأشارت إلى أن الفرق المسرحية التجارية صعدت مع سياسة الانفتاح، مؤكدة أن التغيير الجذري للمجتمع يصنعه المثقف الذي يضطلع بالدور الأكبر لتشكيل وجدان هذا الشعب.
وأضافت: "بعد الثورة نحن في أشد الحاجة إلى عصر تنويري لا يمكن أن نصل إليه إلا بقيادة المثقف المصري ووضع يده على الشروخ التي وجدت في قلب البنية المصرية".
وروى الكاتب سمير فراج أنه تلقى اتصالات من جهة أمنية في أواخر التسعينيات لتغير عنوان أحد كتبه. وقال في أواخر التسعينيات طبعت لي هيئة قصور الثقافة كتاب (قطوف من حياة سيدة نساء العصر الدكتورة عائشة عبد الرحمن بنت شاطئ دمياط) لكنه لم يخرج إلى النور وتلقيت 3 اتصالات هاتفية من جهة أمنية لطلب تغيير اسم الكتاب لأن "سيدة نساء العصر هى سوزان مبارك"، لكني رفضت تغيير عنوان الكتاب .
من جانبه، قال الدكتور محمد نجيب التلاوي: "لا أقر بأن هناك ثورات حدثت في مصر قبل ثورة 25 يناير، وبعد الثورة ابداعنا الثقافي لابد أن يكون لمذاقه طعم خاص".
وحيا رئيس اتحاد الكتاب السوريين الدكتور حسين جمعة ثورة 25 يناير وعبر عن اعتزازه بالشعب المصري وتمنى له أن يشق طريقه ليبني مصر بنية جديدة تحمل رؤية متطورة.
وقال إن التغيير يبدأ بالذات حتى يكون التغيير للأفضل وأن يبدأ المرء بنفسه ليتغير إلى الأفضل لأنه "لو كنا نحن منحرفون فالظل سيكون أعوج ولا يستقيم العود والظل أعوج".
وتحدث عن المواطنة فأكد أنها "اختيار طوعي وعقد اجتماعي يجب أن يصبح المثقفون بناته"، مشيرا إلى أن العقد الاجتماعي ينشأ بإرادة وطنية حرة مسئولة.
وأضاف أن المواطنة انتماء إلى ثقافة عريضة ممتدة، لافتا إلى أنه إذا اختلت الحقوق والواجبات اختلت المواطنة.
وقال جمعة: "تحولنا في الوطن العربي إلى مواطنين مرتزقة يسعون إلى كسب لقمة العيش فتحولنا إلى رعايا مرتزقة نطلب من الحاكم تقديم هذا الارتزاق والطبقات العليا تحولت إلى مرتزقة أيضا لكنها حولت البلاد إلى مزرعة تأخذ منها ما تشاء فتحول الوطن من وطن الأحرار إلى وطن المزرعة" .
وأضاف أن المثقفين دورهم مهم في تأسيس مواطنة الأحرار القائمة على حوار واعي لا يلغي الآخر ويعترف به ويحاوره على أساس من التقدير "وإذا اختلفنا لابد أن نجعله حوارا هادئا فاعلا ولا يتحول إلى اقتتال".
من جانبه، قال الدكتور مجدي يوسف إن ثورة 25 يناير لم تكن متوقعة، مدينا ما يحدث للشعب السوري من قمع وقتل . وقال: "ما يحدث للشعب السوري جريمة ضد الإنسانية وكون الكاتب لا يحتج على هذه الجرائم فهذه جريمة في حد ذاتها" .
ورفض يوسف تسمية ثورة 25 يناير ثورة الشباب . وقال: "هذا أمر غير دقيق لأنها تضم مختلف الفئات العمرية، والسياسة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية كانت من أسباب الثورة".
ودعا المثقفين إلى المساعدة في تغيير الفكر السلبي وتطوير الوعي المجتمعي والقضاء على الذكورية السائدة في المجتمع بدون أي مبرر، مشيرا إلى أن الأدب بكل أنواعه يمكن أن يلعب دورا مهما جدا في إعادة النظر في الوضع القائم وتثوير الوعي الجمعي من خلال أدوات غير تقليدية أو غير مباشرة.