مسارات :
الحوار مع الهند.. أي وجه نختار؟
جريدة القبس :السبت 12/11/2011
لم يقتصر تأثير الثقافة الهندية القديمة في حضارة المسلمين على «كليلة ودمنة». الحضور الهندي برز بشكل لافت في الفلسفة والتصوف الاسلاميين خلال قرون الازدهار. الطبيعة العرفانية والغنوصية للفلسفة في المشرق الاسلامي تأثرت بالفلسفة الهندية والفارسية.
قرون مرت من ذلك التواصل، الثقافة العربية عادت مجددا للبحث عن خيارات افضل. حضرت الهند، لكن ليس كثقافة مؤثرة بل كرموز «فكرية» استفيد منها لتأهيل الايديولوجيا الاسلامية، انها رموز اسهمت في تشكلات النمط السياسي للاسلام الهندي، الباكستاني لاحقا، كان ابو الاعلى المودودي، وابو الحسن الندوي، اهم تلك الرموز.
لكن الرجلين داعيتان، ولا يمثلان الا زاوية صغيرة وغير اصيلة في ثقافة الهند. شبه القارة وتاريخها المعاصر يحتويان ثقافة اهم واكثر تسامحا وروحانية واصالة من تلك الزاوية الصغيرة. ورغم اطلاعنا نحن العرب على عناوين ثقافية هندية معبرة، فإن هذا الاطلاع بقي في حدوده السطحية، ولم ينتقل الى روح الثقافة العربية. بقي المنجز الثقافي والفكري الهندي بكرا بالنسبة الينا. لم نقارب منه سوى تمثلات غير اصيلة. وحتى غاندي الذي يعتبر مدرسة في السلوك ونمط التفكير، يستخدم عربيا بطريقة خرساء عجزت عن اختراق واقع الثقافة هنا.
الهند تستحق فعلا ان تستكشف، فخلال القرنين الماضيين ظهرت اسماء مهمة ومتفردة في الثقافة، وفي جانبها الفكري تحديدا. ورغم ما يقال عن تأثر رواد عصر النهضة، وتحديدا الافغاني محمد عبده ببعض الرموز الاصلاحية الهندية، لكن ذلك التأثير انحصر في حدوده التاريخية، وانحسر بشكل واضح خلال القرن العشرين.
فآثار مفكرين وأدباء مهمين من الهند تبقى بعيدة عن الحضور عربيا. ربما تعرف النخبة العربية رموزا مثل احمد خان ومحمد اقبال وطاغور، لكنها بقيت معرفة مجردة، ولم تصبح فعلا وعيا ينتج نوعا من التثاقف مع الاخر.
بوضوح اكثر ان احمد خان ومحمد اقبال وامير علي، يمثلون الذروة الاصلاحية في حراك الفكر الديني. العرب استلهموا من اضداد هؤلاء في شبه القارة الهندية.
ربما الاستثناء الوحيد هو تأثر جمال الدين الافغاني باحمد خان الى حد ما.
وفي جانب آخر للهند نمطها الثقافي الخاص، انها روحانيتها المميزة المنعكسة على الادب والفكر والفلسفة، بل وموسيقاها وفنونها الاخرى، طاغور الحكيم من اهم واجهات هذا المنط، والى جانبه ظهرت اسماء اخرى تضفي للفكر تلك الفرادة في التفكير والحضور الروحي مثل «كريشنامورتي» و«برمهنسا يوغانندا»، وهما عنوانان مهمان للفكر الهندي في القرن العشرين. فكم استفادت الثقافة العربية من هؤلاء؟ كم ترجمت اعمال هندية في العالم العربي؟ وكم شاعر تتحدث عنه المناهج الادبية للمدارس المتوسطة والاعدادية، بل والجامعات؟ وكم حضر فلاسفة الهند كجزء من مسار الحديث عن الفلسفة في العالم داخل معاهد وكليات تدريس الفلسفة؟ وكم استفادت حركة الاصلاح الديني من رؤية ذات طابع مختلف وصلت ذروتها على يد احمد خان ومحمد اقبال؟
ربما اغفلت الثقافة العربية «الحداثوية» مشرقها لما فرضه مغربها وشمالها من انبهار الضعيف بالقوي، لكن في نهاية المطاف هناك تجربة بشرية تنتمي لأمة بعشرات اللغات والاديان، عدد سكانها يفوق المليار، وتاريخها المتواصل يمتد لأكثر من الفي عام. هذه التجربة تستحق ان تكون حاضرة في عملية المقارنة والتقصي التي تحتاجها الثقافة العربية، خصوصا اننا نتحدث عن تجربة تشارك العرب في الكثير من مفاصل التاريخ.
عمار السواد